أشراط الساعة | يوسف عبد الله الوابل | ط. دار ابن الجوزي
Language: Arabic |
Brand: دار ابن الجوزي |
الشيخ يوسف عبد الله يوسف الوابل
[المقدمة]
إن الحمد الله؛ نحمده، ونستعينُه، ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرور أنفسنا، ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله؛ فلا مضلَّ له، ومَن يُضْلِل؛ فلا هاديَ له.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)} [آل عمران: ١٠٢].
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)} [النساء: ١].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (١)
أمّا بعد:
فإن الله تعالى أرسل محمَّدًا - صلّى الله عليه وسلم - بالحق بشيرًا ونذيرًا بين يدي السّاعة، فلم يترك خيرًا؛ إِلَّا دلَّ أمَّتَه عليه، ولا شرًّا؛ إِلَّا حذَّرها منه.
ولمَّا كانت هذه الأمة هي آخر الأمم، ومحمَّدٌ - صلّى الله عليه وسلم - هو خاتَم الأنبياء؛ خَصَّ الله تعالى أمَّته بظهور أشراط السّاعة فيها، وبيَّنَها لهم على لسان نبيِّه - صلّى الله عليه وسلم - أكمل بيان وأتمَّه، وأخبر أن علامات السّاعة ستخرج فيهم لا محالة، فليس بعد محمَّدٍ - صلّى الله عليه وسلم - نبيٌّ آخر يبيِّنُ للناس هذه العلّامات، وما سيكون في آخر الزّمان من أُمور عظامٍ مؤذِنَةٍ بخراب هذا العالم، وبداية حياة جديدة؛ يُجازى فيها كلٌّ بحسب ما قدَّمت يداه، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ.وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة: ٧ - ٨].
ولمَّا كان من العقائد الّتي يجب الإِيمان بها: الإِيمان باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، ولما كان نظر الإِنسان قد لا يعدو هذه الحياة وما فيها من مَتاعٍ، فينسى اليوم الآخر، ولا يعمل له؛ جَعَلَ اللهُ بين يدي السّاعة أماراتٍ تدلُّ على تحقُّقها، وأنّها ستقع حتمًا، حتّى لا يخامر النَّاس أدنى شك فيها، ولا يفتنهم شيءٌ عنها.
فمن المعلوم أن الصادق المصدوق - صلّى الله عليه وسلم - إذا ذكر من أشراطها شيئًا، ورأى النَّاس وقوعَ ذلك الشيء؛ علموا يقينًا أن السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، فيعملوا لها، ويستعدُّوا لذلك اليوم، ويتزوَّدوا بالصَّالحات قبل فوات الأوان وانقضاء الأجل المحدود: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:٥٦ - ٥٨].
وكان النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يقول في خطبته: "بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين".
وكان إذا ذَكَر السّاعة؛ احمرَّتْ وجنتاهُ، وعلا صوتُه، واشتدَّ غضبه؛ كأنّه نذير جيش يقول: صبَّحكم مسَّاكم (١).
وفد أشفق الصّحابة رضي الله عنهم من قيام السّاعة عليهم، وظهر ذلك جليًّا عندما وصف لهم النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - الدَّجًالَ، كما جاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - الدَّجَّال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتّى ظنَّناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه؛ عرف ذلك فينا، فقال: "ما شأنُكُم؟ ". قلنا: يا رسول الله! ذكرتَ الدَّجَّالَ غداة، فخفضتَ فيه ورفعتَ حتّى ظننَّاه في طائفة النخل. فقال: "غيرَ الدَّجال أخوفني عليكُم، إن يخرجْ وأنا فيكم؛ فأنا حجيجه دونَكم، وإن يخرجْ ولستُ فيكم؛ فامرؤ حَجيجُ نفسه، والله خليفتي على كلّ مسلم" (١).
وقد ظهر كثيرٌ من أشراط السّاعة، وتحقَّق ما أخبر به المصطفى - صلّى الله عليه وسلم -، فكل يوم يزداد فيه المؤمنون إيمانًا به، وتصديقًا له، إذ يظهر مِن دلائل نبوَّته وآيات صدقِه ما يوجب على المسلمين التمسُّك بهذا الدين الحنيف.
وكيف لا يزدادون إيمانًا وهم يرونَ هذه المغيَّبات الّتي أخبر بها رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - تقع كما أخبر؟! فإن كلّ واحدة من هذه الأشراط الّتي تحدث لَمعجزة بيَّنةٌ لنبي هذه الأمة - صلّى الله عليه وسلم -. فالويل ثمّ الويل لأولئك الجاحدين لرسالته، الصادِّين عنها، أو المتشكَّكين فيها.
وتأتي أهمِّيَّةُ هذا البحث في هذا الوقت الّذي أخذ فيه بعض الكتاب المُعاصِرينَ يشكِّك في ظهور ما أخبر ب - صلّى الله عليه وسلم - من المغيَّبات الّتي يجب الإِيمان بها، ومنها أشراط السّاعة، فمنهم مَنْ أنكر بعضها، ومنهم من أوَّلها بتأويلات باطلة!
لهذا وذاك أحببتُ أن أجمع بحثًا مشتملًا على أشراط السّاعة الصغرى والكبرى، بأدلَّتها الثابتة من القرآن الكريم والسُّنَّة المطهَّرة، ولم يكن البحث في هذا الموضوع سهلًا؛ فإنّه يحتاج إلى بحث عن صحة الأحاديث، والجمع بين الروايات المختلفة.
وقد ألَّف بعض العلماء مؤلَّفات في أشراط السّاعة، ولكنَّهم لم يلتزموا فيها الاقتصار على ما ثبتَ من الأحاديث، بل تجدهم يسردون كثيرًا من الروايات؛ دون تعرًّض لدرجة الحديث من حيث الصِّحَّة والضعف؛ إِلَّا في النادر، وهذا يجعل المطالع لها يختلط عليه الأمر، فلا يميِّز بين الصّحيح من غيره، وكذلك لم يتعرَّضوا لشرح ما جاء في هذه الأحاديث ممّا يحتاج إلى بيان، ولكنهم - رحمهم الله - جمعوا لنا كثيرًا من الأحاديث، ووفَّروا علينا كثيرًا من الجهد.
ومن هذه الكتب:
١ - "الفتن": للحافظ نُعيم بن حمَّادَ الخُزاعي، المتوفى سنة (٢٢٨ هـ) رحمه الله.
٢ - "النهاية" أو "الفتن والملاحم": للحافظ ابن كثير، المتوفَّى سنة (٧٧٤ هـ) رحمه الله.
٣ - "الإِشاعة لأشراط السّاعة": للشريف محمّد بن رسول الحسيني البرزنجي، المتوفى سنة (١١٠٣هـ) رحمه الله.
٤ - "الإِذاعة لما كان وما يكون بين يدي السّاعة": للشيخ محمّد صديق حسن القنوجي، المتوفى سنة (١٣٠٧ هـ) رحمه الله.
٥ - "إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط السّاعة": للشيخ حمود بن عبدالله التويجري النَّجدي، ولا يزال الشّيخ موجودًا حفظه الله.
... إلى غير ذلك من المؤلِّفات الّتي تناولت الحديث عن أشراط السّاعة
وقد استفدتُ ممَّن سبقني، ورأيت أن أسلك في هذا البحث مسلكًا ألزمتُ به نفسي، وهو أنني لا أذكر فيه شرطًا، إِلَّا ما نصَّ عليه النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - أنّه من أشراط السّاعة- صريحًا أو دِلالةً-، والتزمتُ كذلك أن لا أذكر فيه إِلَّا ما كان صحيحًا أو حسنًا من الأحاديث، مسترشدًا في ذلك بأقوال علماء الحديث في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
وإيثارًا للاختصار؛ فإنني لم أذكر جميع الأحاديث الصحيحة في كلّ شرط، بل اكتفيتُ ببعض الأحاديث الّتي تثبِتُ أن هذه العلّامة من أشراط السّاعة.
وذكرتُ أيضًا ما يحتاجُ إليه كلّ شرطٍ، مِن بيان لمعنى لفظ غريب، أو بيان للأماكن الّتي ورد ذكرها في الأحاديث، وكذلك أعقبتُ كلّ علاْمة بشرح موجز مقتبس من كلام العلماء، أو ممَّا جاء من الأحاديث الّتي لها علاقة بالعلّامة المشروحة، وتعرَّضتُ للرَّدِّ على بعض من أنكر شيئًا من أشراط السّاعة، أو تأوَّلها بغير ما تدلُّ عليه أحاديثُها، وبيَّنتُ أن أشراط السّاعة من الأمور الغيبيَّةِ الّتي يجب الإِيمان بها كما جاءت، ولا يجوزُ ردُّها أو جعلها رموزًا للخير أو للشر أو ظهور الخرافات.
ولما كان كثيرٌ مِن أشراط السّاعة ورد في أخبار آحاد، عقدتُ في أولالبحث فصلًا في بيان حجِّيَّةِ خبر الآحاد، وذلك للرَّدِّ على مَنْ أنكر حجِّيَّةَ الآحاد، وزعم أنّها لا تقوم عليها عقيدة.
وكذلك؛ فإن هذا البحثَ دعوةٌ للإِيمان بالله تعالى وباليوم الآخر، وتصديقٌ لما أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلاوحيٌ يُوحى، صلّى الله عليه واله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
وهو أيضًا دعوةٌ للتأهُّب لما بعد الموت؛ فإن السّاعة قد قَرُبَت، وظهر كثيرٌ من أشراطها، وإذا ظهرتِ الأشراط الكبرى، تتابعت كتتابعِ الخَرَزِ في النِّظام إذا انفرط عقده، وإذا طلعتِ الشّمسُ من مغربها؛ قُفِل باب التوبة، وخُتِمَ على الأعمال، فلا ينفع بعدذلك إيمانٌ ولا توبةٌ؛ إِلَّا مَنْ كان قبل ذلك مؤمنًا أو تائبًا: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا (١٥٨)} [الأنعام: ١٥٨].
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (٣٧) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (٣٩) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٣٥ - ٤١].
نسأل الله العظيم، ربَّ العرش العظيم، أن يجعلنا من الآمنين يوم الفزع الأكبر، وممَّن يُظلِّهُمُ في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاظلُّه.